
من أغرب الأسئلة التي سمعتها وأنا على متن إحدى الرحلات من دبي الى الغرب الأوروبي مِمن يجلس إلى جانبي وهو استاذ جامعي عربي لبناني مسيحي ذو جنسية بريطانية كان الحديث معه ودياً وعباراته جميلة، يتحدث عن الإسلام بفهم عميق ورؤية حسنة، ويبدي إعجابه بما أمر به القرآن الكريم ووجهت به السنة النبوية، وفحوى السؤال حضر بعد أن توقف فجأة ليقول لي إن هناك توجيهاً دينياً اسلامياً بضرب الزوجة يجعله يحتار كثيراً بين المفاهيم العظيمة لهذا الدين وبين هذا التوجيه، ويضيف أيضاً أن هناك من بين العرب والمسلمين عبر مواقع كثيرة من يؤكد أنه سيضرب زوجته إذا ما اضطر إلى ذلك!!.
من جهتي يا زميل الرحلة فلست عالماً بالتشريعات، ولا حتى متخصصاً اجتماعياً في شأن المرأة “ما لها وما عليها”.. لكن ما أفهمه وأدركه أن الإسلام قد قدّر المرأة كل قدرها، وما يخص الضرب المذكور فهو وفق أشياء محصورة جدا ووفق نطاق ضيق حددها المشرع !.
لكن حينما يكون السؤال موجها مباشرة كشرقي عربي مسلم: هل تضرب زوجتك إذا اضطررت لذلك؟ فهو هنا قد وضعك في دائرة الخطر اللفظي.. ليس الا ان تريد أن تكون سيد الرجال أو أعقل الرجال.. سيد الرجال هو من يعتقد ان الاجابة لا بد أن تكون بنعم.. أليس هو السيد وصاحب القرار وعليه أن يقوّم أهله ويعدل من سلوكهم والأكيد أن الضرب إحدى هذه الوسائل؟!.أما أعقل الرجال فمن تتوقع منه أن يرفض السؤال ومبدأ الضرب.. فكيف إذا كان مع نصفك الآخر والجزء الأهم في حياتك الدنيوية.
قد تكون هذه التوطئة غريبة بعض الشيء.. لا سيما وأننا في زمن ندرت فيه مثل هذه الأسئلة حتى الفعل القائم على الضرب أصبح من الماضي وما يحدث يعبر عن استثناءات ولا يقاس عليها.. ناهيك عن أن الموضة التي بدأت بالتنامي تذهب الى أن النساء هن من يقمن بتربية ازواجهن وتقويمهم حتى وإن بلغ الأمر حد التربية بالضرب؟!.
هنا لا ننكر أنه من الطبيعي أن يعلق بمسيرة الزوجين الحياتية بعض المشاكل وكثير من الاختلافات البسيطة منها والصعبة، وما يتبع ذلك من تحدٍ أو حتى تهديد.. في الغرب يحدث هذا وفي بلاد العرب كذلك وقد يكون أحد الزوجين يجد في الضرب وسيلة للتعبير، لكنه في المجمل مرفوض لدى العربي والصيني والاميركي ونحن كمسلمين نجد أننا اشد التزاما بذلك من واقع أن الله سبحانه وتعالى قد أمرنا بالمودة مباشرة بين الزوجين (وجعلنا بينكم مودة ورحمة).
لذا كان السؤال عن ضرب الزوجة فيه كثير من الغرابة،لأبادر جار الرحلة بسؤاله لماذا اراد ان يستثني من
اعجابه ما رأى أنه يستغربه كدعوة لفعل الضرب؟.. رغم أن اوروبا التي ينتمي اليها الآن تجاوزت فعل الضرب الى انتشار حوادث الاغتصاب حتى بين الازواج، وهذا ليس رداً انتقامياً من كاتب هذه السطور بقدر ما هي حقائق تشهد بها محاكمهم، لأؤكد له أن ما يتحدث عنه هو سلوك بشري وليس توجيها ربانيا وفق عادة تقتحم كل الفئات والدول.
والأهم من ذلك وهو ما قلته لزميل الرحلة أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قد كان مرجعاً في الحكمة والرحمة فهو قد نهى عن ضرب النساء في أحاديث كثيرة، أذكر منها اثنين فقط، ففي حديث قال صلى الله عليه وسلم: «لا تضربوا إماء الله»، وقال في حديث آخر: “لا يضربهن خياركم”،(يقصد النساء)، وفي الحديث الأخير أن من يضرب النساء ولأي سبب هو ليس من أفضل الناس وليس من خيارهم، بل من أقلهم شأناً، وفي ذلك معنى عظيم للنهي.
يا جار الرحلة لم يكن الإسلام حاثاً على الشقاق والتعدي والتسلط بل نبراس للتسامح والتكافل، والتحابّ.. ولم يكن داعيا للعنف وقتل الآخر.. لكن هناك من يريد أن يصوّره كذلك.. فهل اقتنعت؟!.
جريدة الرياض