تعد الشهادة من اقوى البينات في الاسلام وفي النظام السعودي المبني على الشريعة الاسلامية ومن هنا تتنوع المواقف بالنسبة لشهادة المرأة:

الأول : ما يقبل فيه أربعة شهود ليس بينهم امرأة، وهو حد الزنا ؛ لقوله تعالى (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ ) النساء : 15 .

قال ابن قدامة رحمه الله :”وَلَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ بِحَالٍ . وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ، إلَّا شَيْئًا يُرْوَى عَنْ عَطَاءٍ وَحَمَّادٍ : أَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِ ثَلَاثَةُ رِجَالٍ وَامْرَأَتَانِ . وَهُوَ شُذُوذٌ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْأَرْبَعَةِ اسْمٌ لِعَدَدِ الْمَذْكُورِينَ، وَيَقْتَضِي أَنْ يُكْتَفَى فِيهِ بِأَرْبَعَةٍ ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْأَرْبَعَةَ إذَا كَانَ بَعْضُهُمْ نِسَاءً لَا يُكْتَفَى بِهِمْ ، وَإِنَّ أَقَلَّ مَا يُجْزِئُ خَمْسَةٌ ، وَهَذَا خِلَافُ النَّصِّ .

وَلِأَنَّ فِي شَهَادَتِهِنَّ شُبْهَةً ؛ لِتَطَرُّقِ الضَّلَالِ إلَيْهِنَّ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى ) وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ ” انتهى من ” المغني ” (9/69) .

الثاني :ما يقبل فيه شاهدان ، ليس منهما امرأة ، وهو ما سوى الزنى من الحدود والقصاص ، كالقطع في السرقة ، وحد الحرابة (قطع الطريق) ، والجلد في الخمر ، وهذا باتفاق الأئمة الأربعة ؛ وخالفهم الظاهرية . ينظر “الموسوعة الفقهية الكويتية” (26/226) .

 الثالث :ما يقبل فيه شهادة رجل وامرأتين .

وقصره جمهور أهل  العلم على المال ، وما كان فيه معنى المالية : كالبيع ، والإقالة ، والحوالة ، والضمان ، والحقوق المالية ، كالخيار ، والأجل ، وغير ذلك .

وأما يطلع عليه الرجال غالبا ، مما ليس بمال ولا يقصد منه مال ، كالردة ، والجرح ، والتعديل ، والموت ، والإعسار ، والوكالة ، والوصاية ، ونحو ذلك ، فإنه لا يثبت عند جمهور أهل العلم إلا بشاهدين لا امرأة فيهما .

وأجاز الحنفية شهادة رجل وامرأتين في الأموال وغيرها ، من النكاح والطلاق والعتاق والوكالة والوصاية ، واختار قولهم الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ،

وهناك تفصيل اخر :

1 – فهناك مواقف تكون فيها شهادة المرأة كشهادة الرجل تمامًا:

أي أن المرأة كالرجل – سواءً بسواء – في شهادات اللعان، وهو ما شرعه القرآن ب

بين الزوجين حينما يقذف الرجل زوجته وليس له على ما يقول شهود:

﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [النور: 6 – 9].

“أربع شهادات من الرجل يعقبها استمطار لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ويقابلها ويُبطِل عمَلها أربعُ شهادات من المرأة يعقبها استمطار غضب الله عليها إن كان من الصادقين” [1].

2 – وهناك مواقف تكون فيها شهادة امرأتين مكافئةً لشهادة رجل:

وذلك في مقام المعاملات المالية والتِّجارية، ومعاملات الأسواق، وما إلى ذلك، ولقد جاء هذا في آية الدَّيْنِ التي تعتبر أطولَ آية في القرآن:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 282].

وليس معنى هذا أن شهادة المرأة الواحدة، أو شهادة النساء اللاتي ليس معهن رجل، لا يثبُت بها الحق ولا يحكُم بها القاضي؛ فإن أقصى ما يطلبه القضاء هو البينة، وقد حقق العلامة ابن القيم أن البينة في الشرع أعم من الشهادة، وإن كل ما يتبين به الحق ويظهره هو بينة يقضي بها القاضي ويحكم، ومن ذلك يحكم القاضي بالقرائن القطعية،

3 – وهناك مواقف تكفي فيها شهادة المرأة وحدها:

وهي القضايا التي لم تجرِ العادة باطلاع الرجال على موضوعاتها؛ كالولادة، والبكارة، وعيوب النساء في القضايا الباطنية.

يقول الحق سبحانه:﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ [البقرة: 228].

 

فهذه من المواقف التي تُقبَل فيها شهادة المرأة وحدها؛ اعتمادًا على صدق إيمانها، واستثارة للوازع الديني، وازع الضمير اليقظ. مع الاستيثاق بالوسائل الحديثة الان

“ودل هذا على أن المرجع في هذا إليهن؛ لأنه أمر لا يُعلَمُ إلا من جهتهن، ويتعذر إقامة البينة غالبًا على ذلك، فرد الأمرَ إليهن، وتوعدهن فيه لئلا يخبرن بغير الحق، إما استعجالاً منها لانقضاء العدة، أو رغبةً منها في تطويلها؛ لِما لها في ذلك من المقاصد” .