
لا بد من القول دائماً: إن المنطلقات الفضفاضة لا يمكن أن تنظم العلاقة بين الأفراد، ولا أن تنسق الحياة في المجتمعات، وإن الأنظمة والقوانين هي الأرضية الرئيسة، والمحرك الأساسي، لأي عملية بناء وإنصاف، لذلك لا يمكن الاعتماد على الوعي، أو الارتهان للتربية، أو ثقافة الأفراد، مع أهمية ما سبق، لكنه يأتي بعد تشريع الأنظمة.
قبل أيام، وصلتني عدة رسائل من أصدقاء تبشرني بتحذيرات النيابة العامة السعودية من أنها ستلاحق كل من يثير نعرات الكراهية والطائفية والتصنيفات الفكرية والمذهبية ومحاولات تضليل الرأي العام، “تأسيساً على ما للنيابة العامة من ولاية عامة تخولها تحريك الدعاوى الجزائية في جميع الجرائم”.. جميعهم اتفقوا معي – سابقاً من خلال المطالبات ولاحقاً بعد التحذيرات – بضرورة سن التشريعات التي تلاحق أصحاب المحتوى الذي يحث على التطرف والعنف والكراهية والإرهاب.
هناك منطقة مهمة، يجب الحديث عنها، تزامناً مع الحوار حول “محاربة الكراهية” – هذه الأيام – في الشبكات الاجتماعية، على وجه التحديد، تتمثل في أن الأغلبية كانت لأولئك الذين يدعمون الكراهية والتطرف، ويشيعون العنف بصور مختلفة، والمناهضين لهذا المحتوى بمثابة الأقلية المغلوب على أمرها، لكن المعادلة تغيرت، فصارت الغلبة للمحاربين له، ما أفضى لهروب كثيرين من المبشرين بالكراهية، بكل أشكالها. وهذه دلائل مهمة – حتى لو لم تكن دقيقة – على نضوج المجتمع، ورفضه لكل وسائل التطرف، وهو جزء من التغير الكبير الذي نشهده.
وعلى الرغم من أهمية ما قامت به النيابة العامة، إلا أنه ليس كافياً، بنظري على الأقل، فالتحذيرات والتصريحات مهمة، لكن يجب أن يصدر نظام واضح ومباشر ومفصل في نوعية الحالات، وما هية التعاطي معها، والهروب من المناطق الضبابية، حتى لا تترك التفسيرات للأفراد، بغض النظر عن مرجعياتهم.
الأمر الآخر، يفترض أن يتم تلافي النصوص القديمة، إن صح وصفها، في “نظام الجرائم المعلوماتية”، ونشر النظام بلغة حديثة، تراعي المرجعية القانونية، والتقنية في نفس الوقت، حتى لا تكون هناك معوقات واستحالة في التطبيق، أو قصور في فهم الحاجة والمتغيرات، مع وجوب تحديثه كل فترة، متى ما كانت الحاجة لذلك.
كما نذكر بأن واجبات النيابة العامة لا تقف عند هذا الأمر وحسب، وإنما العمل على إشاعته ونشره، والوصول لأكبر شريحة من المتضررين، ودعمهم في معرفة حقوقهم، وشرح طرائق المطالبات للجميع.. جنباً إلى جنب مع وسائل الإعلام، و”وزارة الإعلام”، ووزارة التعليم قبل كل شيء!
المصدر جريدة الرياض