الحبس الاحطياطي في النظام الجديد ماله وماعليه

سم الله الرحمن الرحيم

الحبس الاحتياطي في نظام الإجراءات الجزائية الجديد 1435هــ

الحبس الاحتياطي من أخطر إجراءات التحقيق وأكثرها مساساً بحرية المتهم، والمساس بالحرية

مساس بضرورة من ضروريات الحياة، فقد عدها بعض علماء المقاصد ضمن الضروريات وألحقها بعضهم في ضرورة الدين، وهي في حقيقة ماهيتها الفلسفية قيمة عليا، وعلة غائية، لا يمكن الوثوق بتحقيق الضروريات الخمس المعروفة إلا بالقيم العليا والمبادئ الثابتة في الحياة ومن أهمها الحرية التي أناط الله تعالى بها التكاليف الشرعية.

تعريف الحبس لغة واصطلاحاً:

يُعرّف الحبس لغة : بمنعه ومسكه وسجنه ، ويعبر عنه بالتوقيف ، والتوقيف لغة : المنع [1]

والحبس اصطلاحاً: إيداع المتهم السجن فترة التحقيق كلها أو بعضها إلى أن تنتهي محاكمته[2]

نص النظام :

نصت المادة 114 من نظام الإجراءات الجزائية على التالي :

ينتهي التوقيف بمضي خمسة أيام، إلا إذا رأى المحقق تمديد مدة التوقيف، فيجب – قبل انقضائها – أن يقوم بعرض الأوراق على رئيس فرع هيئة التحقيق والادعاء العام، أو مَنْ ينيبه من رؤساء الدوائر الداخلة في نطاق اختصاصه، ليصدر أمراً بالإفراج عن المتهم أو تمديد مدة التوقيف لمدة أو لمدد متعاقبة، على ألا تزيد في مجموعها على أربعين يوماً من تاريخ القبض عليه.

وفي الحالات التي تتطلب التوقيف مدة أطول، يرفع الأمر إلى رئيس هيئة التحقيق والادعاء العام أو مَنْ يفوضه من نوابه ليصدر أمره بالتمديد لمدة أو لمدد متعاقبة لا تزيد أي منها على ثلاثين يوماً، ولا يزيد مجموعها على مائة وثمانين يوماً من تاريخ القبض على المتهم، يتعين بعدها مباشرة إحالته إلى المحكمة المختصة أو الإفراج عنه.

وفي الحالات الاستثنائية التي تتطلب التوقيف مدة أطول ؛ للمحكمة الموافقة على طلب تمديد التوقيف لمدة أو لمدد متعاقبة بحسب ما تراه، وأن تصدر أمراً قضائياً مسبباً في ذلك.

الملاحظات:

1ـ القاعدة العامة تقضي بأن المتهم المحبوس احتياطياً يتمتع بقرينة البراءة طوال إجراءات التحقيق حتى صدور الحكم النهائي في الدعوة ، ويتعين أن تكون هناك قواعد خاصة بمعاملة المحبوسين احتياطياً وهو مالم يوجد في النظام الجديد أو القديم . وقد نصت معظم دساتير العالم على هذا الحق وجاء في بعض تلك الدساتير:

(لكل فرد الحق في الحياة والأمن والحرية، ولا يجوز الحرمان من هذه الحقوق أو تقييدها إلا وفقاً للقانون، وبناءً على قرار صادر من جهة قضائية مختصة) (الحرية الشخصية مصونة وفي حمى القانون)، و ( المتهم بريء حتى تثبت إدانته ) و (الحرية الشخصية حق طبيعي وهى مصونة لا تمس، وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع)

2ـ عدم النص على حق المتهم في طلب التعويض عن الحبس الاحتياطي إذا تبينت براءة المتهم

وإنما نصت المادة الخامسة عشرة بعد المائة على:

وللموقوف احتياطياً التظلم من أمر توقيفه، أو أمر تمديد التوقيف ؛ ويُقدم التظلم إلى رئيس دائرة التحقيق التابع لها المحقق، أو رئيس الفرع، أو رئيس الهيئة، حسب الأحوال. ويبت فيه خلال خمسة أيام من تاريخ تقديمه.

فهو تظلم لرئيس الهيئة ، ورئيس الهيئة لا يملك حق التعويض

وأما المادة الخامسة عشرة بعد المائتين التي نصت على :

…ولكل من أصابه ضرر – نتيجة اتهامه كيداً ، أو نتيجة إطالة مدة سجنه أو توقيفه أكثر من المدة المقررة – الحق في طلب التعويض أمام المحكمة التي رفعت إليها الدعوى الأصلية.

فهي لا تشمل المحبوس احتياطياً بأمر قضائي في المدة المقررة، ثم أخلي سبيله بعد المدة .

فليس فيها تعويض لمتهم طال حبسه في الاحتياطي عدة سنوات بأمر قضائي ثم أخلي سبيله.

فلو حبس المتهم احتياطياً عدة سنوات بأمر قضائي مسبب دون محاكمة ، فلا يحق للمحبوس احتياطياً الاعتراض أو طلب التعويض، إلا إذا بقي أكثر من المدة، كما لو نسي القاضي تجديد المدة قبل انتهائها! فالتعويض مقيد بالزيادة على المدة التي قررها القاضي.

مع العلم أن المادة 114 تسمح في الحالات الاستثنائية: بمدةِ حبسٍ احتياطي مفتوحة، بلا نهاية يقف عندها القاضي. وعليه فلا يمكن أن تزيد المدة بدون أمر قضائي إلا في حالات النسيان أو الإهمال ، وهي حالات ستكون بعد النظام الجديد نادرة وشاذة ، وعليه أيضاً فإن التعويض سيصبح في حكم المعدوم في حالات الإيقاف الاحتياطية إلا ما ندر.

وبالمقارنة مع التشريع الفرنسي نجد النص على التعويض واضحاً غير مقيد كما في نظامنا في المادة 215 السابقة.

إذ نصت المادة 8 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي على : “… يمنح لكل من حبس احتياطيًا ثم صدر قرار نهائي لصالحه بألا وجه لإقامة الدعوى أو بالبراءة أو بإخلاء سبيله أن يطلب تعويضًا كاملاً عن الضرر المادي والمعنوي الذي سببه الحبس الاحتياطي، وفي كل الأحوال لا يستحق هذا التعويض اذا كان أساس القرار الصادر هو امتناع المسؤولية الجنائية للشخص أو استفادته بعفو لاحق على حبسه احتياطيًا..”

3ـ يفترض ألا يجري الحبس الاحتياطي إلا على جريمة كبرى فقط، وما عدا ذلك ينبغي التوقف فيه وفي نظامنا نصوص مفتوحة تمسح للمحقق بحسب تقديره تجاوز الجرائم الكبرى الموجبة للتوقيف ، وحبس المتهم على أية تهمة يرى المحقق مصلحة في الحبس دون حد أدنى كما في المادة 113 التي نصت على ما يلي : ” إذا تبين بعد استجواب المتهم، أو في حال هربه، أن الأدلة كافية ضده في جريمة كبيرة، أو كانت مصلحة التحقيق تستوجب توقيفه … ”

فالمنظم أعطى للمحقق صلاحية الحبس الاحتياطي إذا كانت مصلحة التحقيق تستوجب توقيفه ..” وهو نص مفتوح ، فمن الممكن أن يأمر المحقق بحبس المتهم احتياطياً في جريمة صغيرة أو كبيرة .

وهو خطأ تشريعي خطير، كان من الواجب تحديد حالات الحبس الاحتياطي بدقة ، وغلق باب التقديرات، لأن الأصل براءة المتهم، فكيف يضع النظام سلطة تقديرية في حبس بريء؟!

وبالمقارنة مع بعض الأنظمة فقد نصت أنظمتها الجزائية على مدة الجريمة التي يعاقب عليها بالحبس الاحتياطي كما جاء في م134/1 من قانون الإجراءات الجنائية المصري معدلة بالقانون رقم 145 لسنة 2006 ): ” لا يجوز صدور الأمر بالحبس الاحتياطي إلا في الجنايات والجنح المعاقب عليها بالحبس لمدة لا تقل عن سنة “.

وفي التشريع الفرنسي لا يجوز الحبس الاحتياطي إلا في الجرائم التي يصل الحد الأقصى للعقوبة فيها إلى ثلاث سنوات على الأقل . بل حتى قانون تحقيق الجنايات الأهلي المصري ذاته كان لا يجيز الحبس الاحتياطي إلا إذا كانت الواقعة جناية أو جنحة معاقب عليها كحد أقصى بالحبس سنتين على الأقل

والتشريع اللبناني يشترط الحبس الاحتياطي في الجرائم التي يكون معاقبًا عليها بالحبس لأكثر من عام، والتشريع الأردني رفع سقف الجرائم التي تجيز الحبس الاحتياطي لعامين.

أما التشريع البحريني فقد حددها بسقف ثلاثة أشهر دون اعتبار لجسامة الجريمة للتشريع كما في نص المادة 142 من قانون الإجراءات الجنائية التي نصت على الآتي: (إذا تبين بعد استجواب المتهم أو في حالة هربه أن الدلائل كافية وكانت الواقعة جناية أو جنحة معاقباً عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر جاز لعضو النيابة العامة أن يصدر أمرا بحبس المتهم احتياطياً.

4ـ يجب التفريق بين الجرائم الجسيمة والجرائم العادية، ويحدد لكل نوع مدة في الحبس الاحتياطي، والنظام مطلق لا يفرق بين الجرائم.

فقد يُحبس المتهم احتياطياً أربع سنوات أو أكثر ، ويُحكم عليه بسنة أو عدة أشهر.

5ـ لم يحدد نظام الإجراءات الجزائية الحالات الاستثنائية التي نص عليها.

وقد يقال بأن التحديد سيكون في اللائحة التنفيذية، ولكن السؤال من الذي سيحدد؟ ومن له حق التحديد ، وهو تشريع ، والتشريع حق من حقوق الأمة التي يمثلها البرلمان التشريعي فيما لا نص فيه .

6 ـ لم يعطِ النظام للمحبوس احتياطياً حق الطعن على قرار القاضي في تجديد الحبس، وجعل قرار القاضي في مد الحبس قطعياً ، بينما كان قرار القاضي بأمر الإفراج للموقوف في النظام القديم نهائياً ثم قيده بحق المدعي العام بالطعن كما في المادة 123 من نظام الإجراءات الجزائية !!

فأصبح للمدعي العام حق الطعن على قرار الإفراج، وليس للمحبوس احتياطياً حق الطعن على تجديد حبسه !!

فإذا قرر القاضي تجديد الحبس الاحتياطي فلا يحق للمحبوس حق الطعن، وإذا قرر القاضي الإفراج جاز للمدعي العام حق الطعن !

فللمدعي العام حق الطعن وهو لا يملك حق البراءة الأصلية ، وحرم المحبوس احتياطياً من حقه في الطعن على تسبيب القاضي وهو على أصل البراءة، وهو ظلم فادح.

7ـ لم يوضح النظام نوعية السجون التي يسجن فيها المحبوس احتياطياً، وهل يصح سجنه في السجون العامة كسجن الملز، وهو لا يزال على القاعدة العامة في البراءة ؟! أو يجب أن يكون للمحبوسين احتياطياً أماكن توقيف خاصة يتمتعون فيها بجزء كبير من حرياتهم الشخصية والأسرية والتجارية بحيث لا تتأثر أعمالهم وشؤون حياتهم بسبب توقيف قد يؤول إلى الإفراج لعدم صحة الاشتباه

8ـ لم ينص النظام على سبب تجديد مدة الحبس ، وترك تقدير السبب لرأي المحقق بدون النص على التسبيب بمعنى أن يكون أمر تجديد الحبس أمراً مسبباً .

10 ـ أصل الحبس عقوبة، والعقوبة لا تكون إلا بطريق القضاء، والمنظم في نظام الإجراءات أعطى المحقق حقاً في عقوبة متهم على البراءة الأصلية بالحبس الاحتياطي، دون أن تكون للمحقق صفة قضائية.

11ـ لم ينص النظام على بدائل الحبس الاحتياطي، بما يحقق الغرض دون الحبس، لأن المساس بالحريات إنما جاز من باب الضرورة أو الحاجة، والضرورة والحاجة تقدر بقدرها ، فلا يجوز الحبس الاحتياطي إن أمكن التعويض عنه بغيره، وفي حالتنا السعودية يمكن إيجاد البدائل المختلفة عن الحبس الاحتياطي .

المستشار خيري محي الدين